arablog.org

في طريق العودة

طريق العودة إلى المنزل بعد العمل يصبح ممتعا إن شاركك به صديق قريب لطيف، تشكو إليه ويمازحك، ويناقشك وتوادده، وهل لنا في هذه الدنيا سوى صحبة صادقة تخلو إليها فتبدد همومك ويعيد إليك وهج الحياة وعبقها…
خرجت اليوم في حر الظهيرة ودرجة الحرارة لا تقل عن ال40، والرطوبة العالية لا تهنئ لك الشهيق، ولكن صديقي أبرد علي ما أحرقني، فمشينا وهو يزيل عني تعب الطريق، فكنت أحمله ويحملني ولكن ليس الحمل الحقيقي بل هو متعة الحديث التي تنسيك المسافة والوقت، وما كان مني إلا أن أشفقت عليه في منتصف الطريق وطلبت منه العودة إلى ما كان ذاهب إليه، وإذ برجل يلاحقنا ويقترب منا وهو وأنا نتبادل نظرات الشك، من هو ومن انا…!!!
أصبح قريبا جدا ثم قال لي: أنت السيد علاء، قلت له نعم… وقد أربكني وأحسست الثواني التي توقف بها قبل أن أعلم ما يريده مني كأنها ساعات طوال.
ثم قال لي: عندي بيت للآجار هل أجد عندكم حاجة إليه…
فقلت له في نفسي: ينصر دينك يا أستاذ نفيسة…
ما أصعب أن لا يجد الرجل الأمان في بلده… اللهم آمنا في أوطاننا

نص الألف خمسمية

لم يعد هذا المثل حقيقي في واقع تقوم به الدولة برفع معدلات التضخم يوما بعد يوم، فالأسعار غير حقيقية أبدا وتتسارع بالارتفاع ولا تمثل قيمتها الشرائية، والرشاوى والفساد والبراطيل على قدم وساق وعلى عينك يا تاجر.
“نص الألف لم يعد خمسمية يا صاحبي”، فلقد اشترى الوالي طابعة (Multi Functions) ومزودة بألوان من الدرجة العالية وبدأ يطبع العملات الجديدة وقد ظهرت أول عملة بقيمة 500 ليرة، ولكنها بدون رصيد..! يعني “حق الورق والحبر أغلى منها”.
هذه بشرى غير سارة، لمستقبل اقتصادي باهر في الانهيار، وستنعكس ويلاته مباشرة على الفقراء والطبقات المتوسطة مزيداً من المعاناة والفاقة، وضعفا في تحصيل أدنى مستوى من الحياة الكريمة.
اليوم دولتنا لا تبالي في إيجاد منظومة جيدة للنظام الاقتصادي والمالي، ما يهمها فقط هو اسكات العاملين لديها والموظفين اللذين لم ينفكوا لحظة من دعم النظام على الأقل لمجرد وجودهم وتواجدهم واستمرارهم في أعمالهم ووظائفهم، وليس حديثنا اليوم عن مبررات البقاء في وظيفة حكومية ومدى فشل الثورة أصلا في دعم وإقناع تلك الفئة (الموظفين الحكوميين) التي هي من أهم الفئات التي تمثل الشبكة الواصلة بين الشعب ونظامه، لذلك حاول النظام جاهدا أن يحافظ عليهم وفي بعض الأحيان تحت التهديد حتى وإن كانت مؤسساته لا تعمل ولكنه أبقى رواتبهم وتعويضاتهم مستمرة، وسعت بكل قوتها وعلاقاتها لضخ الأموال والاستدانة بالشروط التي تراها الدول الداعمة بدون مناقشة أو تعليق.
قال لي موظف في الأوقاف، أن حتى الأئمة والمؤذنين وخدمة المساجد بقيت الدولة تعطيهم رواتبهم إلى الآن حتى لو كان المسجد قد هدم أو حوصر..!!
الشعب مسكين ولا يريد إلا أن يحيا حياة كريمة، وهو فعلا مسكين لأنه ارتبط بمفهومه أن الحياة الكريمة هي بيد الوالي وأعوانه، لكنه سيبقى ذليلا لهم ما لم يحمل في قلبه وعقله أن الرزق بيد الله، وأن الغنى والفقر ليسا في المال فقط، بل هو استعلاء وايمان وارتباط بالله وايمان بآخرته.
أعود على ما سبق، لست في صدد تقييم الثورة ومدى ارتباط الناس بها أصلا، وفشلها التكتيكي والفكري والعسكري والسياسي، وعدم وجود خطة واضحة وقدرة على توجيه الناس وإقناعهم بالصمود والوقوف ضد نظام ظالم فاجر غبي اقتصاديا وعلميا وفكريا.
فهل من فرجة أمل تخلصنا مما نحن فيه؟
وهل من دعوة صادقة تضع لنا منهجا تغييرا صادقا معلقا بالله وحده؟
وهل لنا من ثورة على النفوس المريضة التي تكالبت على بعضها وأهلها وإخوانها من أجل كسرة خبز ؟
وهل هناك من يشرح لنا منهج الإسلام صافيا نقيا ويضع لنا معالم الطريق؟
أقولها بصدق إلى الاقتصاديين ورجال الأعمال والموظفين وأصحاب الأعمال الحرة وكل ساع لرزقه: قد تكون اليوم قادر على اسكات أهلك وأطفالك بلقمة ولباس وفرصة تعليم، ولكن هذا لن يطول ليس على المدى البعيد، فالمصيبة قادمة وقريبة، وستبدي لك الأيام ما كانت تخفيه، وستعلم ما علمت أن ليس “نصف الألف خمسمية”.

موقع آخر في Arablog